خطبة نقلها جمع من أجلاء العلماء والمحدثین من العامة والخاصة باختلاف کثیر منهم السید (ره) فی النهج والکلینی فی الکافی ومؤلف تحف العقول فی التحف وسلیم بن قیس فی کتابه ومثله الصدوق (ره) فی الأمالی وغیرهم من الخاصة ومن العامة ابن حجر فی الصواعق المحرقة وغیره منها فی غیره بطرق عدیدة وانی ذکرت هذه الخطبة فی کتابی هذا عن الکافی وعن الصواعق وفی هذا الجزء کررتها أیضا لما فیها من اختلاف کثیر عن کتاب الأمالی للشیخ الصدوق (ره) لما فیها من البسط والزیادة ولئلا یفوت عن الناظر فی الکتاب الفوائد التی اختصت کل روایة بها ولا ناقلها أیضا أقدم زمانا من السید الرضی رضی الله عنهما وارضاهما وهی هذه قال الصدوق (ره) فی المجلس الرابع والثمانین من الأمالی حدثنی محمد بن الحسن بن أحمد بن الولید رضی الله عنه قال حدثنی محمد بن الحسن الصفار قال حدثنا محمد بن حسان الواسطی عن عمه عبد الرحمن بن کثیر الهاشمی عن جعفر بن محمد عن أبیه علیهما السلام قال جاء رجل من أصحاب أمیر المؤمنین علیه السلام یقال له همام وکان عابدا فقال له یا أمیر المؤمنین صف لی المتقین حتى کأنی أنظر إلیهم فتثاقل أمیر المؤمنین علیه السلام عن جوابه ثم قال ویحک یا همان اتق الله وأحسن فان الله مع الذین اتقوا والذین هم محسنون فقال همام یا أمیر المؤمنین أسئلک بالذی أکرمک بما خصک به وحباک وفضلک وبما أتاک وأعطاک لما وصفتهم لی فقام أمیر المؤمنین علیه السلام قائما على قدمیه فحمد الله وأثنى علیه وصلى على النبی وآله وقال أما بعد فإن الله عز وجل خلق الخلق حیث خلقهم غنیا عن طاعتهم آمنا لمعصیتهم لأنه لا تضره معصیة من عصاه منهم ولا ینفعه طاعة من أطاعه منهم وقسم بینهم معایشهم ووضعهم فی الدنیا مواضعهم وانما اهبط الله آدم وحوا علیهما السلام من الجنة عقوبة لما صنعا حیث نهاهما فخالفاه وأمرهما فعصیاه فالمتقون فیها هم أهل الفضائل منطقهم
الصواب وملبسهم الاقتصاد ومشیهم التواضع خشعوا لله عز وجل بالطاعة فتهبوا فهم غاضون أبصارهم عما حرم الله علیهم واقفین أسماعهم على العلم نزلت أنفسهم منهم فی البلاء کالتی نزلت منهم فی الرخاء رضا منهم عن الله بالقضاء ولولا الأحبال التی کتبت علیهم لم تستقر أرواحهم فی أجسادهم طرفة عین شوقا إلى الثواب وخوفا من العقاب عظم الخالق فی أنفسهم ووضع ما دونه فی أعینهم فهم فی الجنة کمن رآها منعمون فهم فیها متکئون وهم فی النار کمن رآها فهم فیها معذبون قلوبهم مخزونة وشرورهم مأمونة وأجسادهم نحیفة وحوائجهم خفیفة و أنفسهم عفیفة ومؤنتهم من الدنیا عظیمة صبروا أیاما قصارا أعقبتهم راحة طویلة تجارة مربحة یسرها لهم رب کریم أرادتهم الدنیا فلم یریدوها وطلبتهم فأعجزوها أما اللیل فصافون أقدامهم تالین لاجزاء القرآن یرتلونه ترتیلا یحزنون به أنفسهم ویستبشرون
به دواء دائهم ویهیج أحزانهم بکاء على ذنوبهم ووجع على کلوم جراحهم وإذا مروا بایة فیها تخویف أصغوا إلیها مسامع قلوبهم وأبصارهم فاقشعرت منها جلودهم ووجلت منها قلوبهم فظنوا أن صهیل جهنم وزفیرها وشهیقا فی أصول آذانهم وإذا مروا بایة فیها تشویق رکنوا إلیها طمعا وتطلعت أنفسهم إلیها شوقا وظنوا أنها نصب أعینهم جاثین على أوساطهم یمجدون جبارا عظیما مفترشین جباهم واکفهم ورکبهم وأطراف أقدامهم تجری دموعهم على خدودهم یجأرون إلى الله فی فکاک رقابهم أما النهار فحلماء علماء بررة أتقیاء قد برأهم الخوف فهم أمثال القداح ینظر إلیهم الناظر فیحسبهم مرضى و ما بالقوم من مرض أو یقول قد خولطوا فقد خالط القوم أمر عظیم إذا فکروا فی عظمة الله وشدة سلطانه معما یخالطهم من ذکر الموت وأهوال القیمة فزع ذلک قلوبهم فطاشت حلومهم وذهلت عقولهم
فإذا استقاموا بادروا إلى الله عز وجل بالاعمال الزکیة لا یرضون لله بالقلیل ولا یستکثرون له الجزیل فهم لأنفسهم متهمون ومن أعمالهم مشفقون ان زکى أحدهم خاف ما یقولون و یستغفر الله مما لا یعلمون وقال أنا أعلم بنفسی اللهم لا تؤاخذنی بما یقولون واجعلنی خیرا مما یظنون واغفر لی ما لا یعلمون فإنک علام الغیوب وساتر العیوب ومن علامة أحدهم إنک ترى له قوة فی دین وحزما فی لین وایمانا فی یقین وحرصا على العلم وفهما فی فقه وعلما فی حلم وکسبا فی رقق وشفقة فی نفقة وقصدا فی غنى وخشوعا فی عبادة وتجملا فی فاقة وصبرا فی شدة ورجمة للمجهود واعطاء فی حق ورفقا فی کسب وطلبا للحلال ونشاطا فی الهدى وتحرجا عن الطمع وبرءا فی استقامة واغماضا عند شهوة لا یغره ثناء من جهله ولا یدع احصاء ما علمه مستبطیا لنفسه فی العمل ویعمل الأعمال الصالحة وهو على
وجل یمسی وهمه الشکر ویصبح وشغله الذکر یبیت حذرا لما حذر من الغفلة فرحا لما أصاب من الفضل والرحمة إن استصعب علیه نفسه لم یعطها سؤلها فیما فیه مضرته ففرحه فیما یخلد ویدوم وقرة عینه فیما لا یزول ورغبته فیما یبقى وزهادته فیما یفنى یمزج العلم بالحلم ویمزج الحلم بالعقل تراه بعیدا کسله دائما نشاطه قریبا امله قلیلا زلله متوقعا اجله خاشعا قلبه ذاکرا ربه خائفا ذنبه قانعة نفسه متغیبا جهله سهلا أمره حریزا لدینه میتة شهوته کاظما غیظه صافیا خلقه أمنا منه جاره ضعیفا کبره متینا صبره کثیرا ذکره محکما أمره لا یحدث بما یؤتمن علیه الأصدقاء ولا یکتم شهادته الأعداء ولا یعمل شیئا من الحق ریاء ولا یترکه حیاء الخیر منه مأمول والشر منه مأمون إن کان من الغافلین کتب من الذاکرین وإن کان من الذاکرین لم یکتب من الغافلین
یعفو عمن ظلمه ویعطى من حرمه ویصل من قطعه ولا یعزب حلمه ولا یعجل فیما یریبه ویصفح عما قد تبین له بعیدا جهله لینا قوله غائبا مکره قریبا معروفه صادقا قوله حسنا فعله مقبلا خیره مدبرا شره فهو فی الزلازل وقور وفی المکاره صبور وفی الرخاء شکور لا یحیف على من یبغض ولا یأثم فیمن یحب ولا یدعی ما لیس له ولا یجحد حقا هو علیه ویعترف بالحق قبل أن یشهد علیه لا یضیع ما استحفظ ولا یتنابز بالألقاب لا یبغی على أحد ولا یهم بالحسد و لا یضر بالجار ولا یشمت بالمصائب سریع للصواب مؤد للأمانات بطئ عن المنکرات یأمر بالمعروف وینهى عن المنکر لا یدخل فی الأمور بجهل ولا یخرج عن الحق بعجز إن صمت لم یغمه الصمت وإن نطق لم یقل خطأ وإن ضحک لم یعل صوته سمعه قانعا بالذی قدر له لا یحمج به الغیظ ولا یغلبه الهوى ولا
یقهره الشح ولا یطمع فیما لیس له یخالط الناس فیعلم ویصمت لیسلم ویسئل لیفهم ویبحث لیعلم لا ینصت للخیر لیفخر به ولا یتکلم لیتجبر على من سواه ان بغى علیه صبر حتى یکون الله الذی ینتقم له نفسه منه فی عناء والناس منه فی راحة أتعب نفسه لاخرته وأراح الناس من نفسه بعد من تباعد عنه بغض ونزاهة ودنو من دنى منه لین ورحمة فلیس أعده بکبر ولا عظمة ولا دنوه لخدیعة ولا خلابة بل یقتدى بمن کان قبله من أهل الخیر فهو امام لمن خلفه من أهل البر قال فصعق همام صعقة کادت نفسه فیها فقال أمیر المؤمنین علیه السلام إما والله لقد کنت لنا فها علیه وأمر به فجهز وصلى علیه وقال هکذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها فقال قائل فما بالک أنت یا أمیر المؤمنین فقال ویلک إن لکل أجلا لن یعدوه وسببا لا یجاوزه فمهلا لا تعد فإنه انما نفث هذا القول على لسانک الشیطان