قال العلامة المجلسی أعلى الله مقامه فی الجزء السابع من البحار فی باب بدء أرواحهم وأنوارهم و طینتهم ص 186 وروى علی بن الحسین المسعودی فی کتاب اثبات الوصیة عن أمیر المؤمنین صلوات الله علیه هذه الخطبة الحمد لله الذی توحد بصنع الأشیاء وفطر أجناس البرایا على غیر أصل ولا مثال سبقه فی انشاءها ولا اعانه معین على ابتداعها بل ابتدعها بلطف قدرته فامتثلت فی مشیته خاضعة ذلیلة مستحدثة لامره الواحد الدائم بغیر حد ولا أمد ولا زوال ولانفاد وکذلک لم یزل ولا یزال لا تغیره الأزمنة ولا تحیط به الأمکنة ولا تبلغ صفاته الأزمنة ولا تأخذه نوم و لا سنة لم تره العیون فتخبره عنه برؤیته ولم تهجم علیه العقول فتتوهم کنه صفته ولم تدر کیف هو الا بما أخبر عن نفسه لیس لقضائه مرد ولا لقوله مکذب ابتدع الأشیاء بغیر تفکر ولا معین ولا ظهیر ولا وزیر فطرها بقدرته وصیرها إلى مشیته وساق أشباحها وبرء أرواحها واستنبط أجناسها خلقا مبروءا مذروءا فی أقطار السماوات والأرضین لم یأت بشئ على غیر ما أراد
ان یأتی علیه لیرى عباده آیات جلاله وآلائه فسبحانه لا اله الا هو الواحد القهار وصلى الله على محمد وآله وسلم تسلیما اللهم فمن جهل فضل محمد فانى مقر بأنک ما سطحت أرضا ولا برأت خلقا حتى أحکمت خلقه وأتقنته من نور سبقت به السلالة وأنشأت آدم له جرما فأودعته منه قرارا مکینا و ومستودعا مأمونا وأعذته من الشیطان وحجبته عن الزیادة والنقصان وحصلت له الشرف الذی یسامى به عبادک فأی بشر کان مثل آدم فیما سابقت به الاخبار وعرفتنا کتبک فی عطایاک وأسجدت له ملائکتک وعرفته ما حجبت عنهم من علمک ان إذ تناهت به قدرتک وتمت فیه مشیتک دعاک بما أکننت فیه فأجبته إجابة القبول فلما أذنت اللهم فی انتقال محمد صلى الله علیه وآله من صلب آدم الفت بینه وبین زوج خلقتها له سکنا ووصلت لهما به سببا فنقلته من بینهما إلى
شیث اختیارا له بعلمک فإنه بشر کان اختصاصه برسالتک ثم نقلته إلى انوش فکان خلف أبیه فی قبول کرامتک و احتمال رسالاتک ثم قدرت المنقول إلیه قینان وألحقته فی الخطوة بالسابقین وفى المنحة بالباقین ثم جعلت مهلائیل رابع اجرامه قدرة تودعها من خلقک من تضرب لهم بسهم النبوة وشرف الأبوة حتى إذا قبله یرد عن تقدیرک تناهى به تدبیرک إلى أخنوخ فکان أول من جعلت من الاجرام ناقلا للرسالة وحاملا أعباء النبوة فتعالیت یا رب لقد لطف حلمک وجل قدرتک عن التفسیر الا بما دعوت إلیه من الاقرار بربوبیتک واشهد ان الأعین لا تدرکک والأوهام لا تلحقک والعقول لا تصفک و المکان لا یسعک وکیف یسع من کان قبل المکان ومن خلق المکان أم کیف تدرکه الأوهام ولم تؤمر (تعثر) الأوهام على امره کیف تؤمر الأوهام على امره وهو الذی لا نهایة له ولا غایة وکیف تکون
له نهایة وغایة وهو الذی ابتدء الغایات والنهایات أم کیف تدرکه العقول ولم یجعل لها سبیلا إلى ادراکه وکیف یکون ادراکه بسبب وقد لطف بربوبیته عن المجانسة (المحاسة) والمجاسة وکیف لا یلطف عنهما من لا ینتقل عن حال إلى حال وکیف ینتقل من حال إلى حال وقد جعل الانتقال نقصا وزوالا فسبحانک ملأت کل شئ وباینت کل شئ فأنت لا یفقدک شئ وأنت الفعال لما تشاء تبارکت یا من کل مدرک من خلقه وکل محدود من صنعه أنت الذی لا یستغنى عنک المکان ولا نعرفک الا بانفرادک بالوحدانیة والقدرة وسبحانک ما أبین اصطفاءک لإدریس الا من سلک من الحاملین ولقد جعلت له دلیلا من کتابک إذ سمیته صدیقا نبیا ورفعته مکانا علیا وأنعمت علیه نعمة حرمتها على خلقک الا من نقلت إلیه نور الهاشمیین وجعلته أول منذر من أنبیاءک ثم أذنت فی انتقال محمد صلى الله علیه وآله من القابلین له
متوشلخ ولمک (لامک) المفضیین إلى نوح فأی آلاءک یا رب على ذلک لم توله وأی خواص کرامتک لم تعطه ثم أذنت فی ایداعه ساما دون حام ویافث فضربت لهما بسهم فی الذلة وجعلت لما أخرجت من بینهما لنسل سام خولا ثم تتابع علیه القابلون من حامل إلى حامل ومودع إلى مستودع من عترته فی فطرات الدهور حتى قبله تارخ أطهر الأجسام وأشرف الاجرام ونقلته إلى إبراهیم فأسعدت بذلک جده وأعظمت به مجده وقدسته فی الأصفیاء وسمیته بین رسلک خلیلا ثم خصصت به إسماعیل دون ولد إبراهیم فأنطقت لسانه بالعربیة فضلتها على سائر اللغات فلم تزل تنقله محظورا عن الانتقال فی کل مقذوف من أب إلى أب حتى قبله کنانة عن مدرکة فأخذت له مجامع الکرامة ومواطن السلامة وأجللت له البلدة التی قضیت فیها مخرجه فسبحانک لا إله إلا أنت أی صلب أسکنته فیه وأی نبی بشر به وبین فلم
یتقدم فی الأسماء اسمه وأی ساحة من الأرض سلکت به لم تظهر بها قدسه حتى الکعبة التی جعلت فیها مخرجه غرست أساسها بیاقوتة من جنات عدن وأمرت الملکین المطهرین جبرئیل ومیکائیل فتوسطا بها أرضک وسمیتها بیتک واتخذتها معمدا لنبیک وحرمت وحشها وشجرها وقدست حجرها ومدرها وجعلتها مسلکا لوحیک ومنسکا لخلقک و مامن المأکولات وحجابا للاکلات العادیات تحرم على أنفسنا اذعار من اجرت ثم أذنت للنضر من قبوله وایداعه مالکا ثم من بعد مالک فهرا ثم خصصت من ولد فهر غالبا ان له حرکة تقدیس فلم تودعه من بعده صلبا الا جللته نورا تأنس به الابصار وتطمئن إلیه القلوب فانا یا إلهی وسیدی ومولای المقر لک بأنک الفرد الذی لا ینازع ولا یغالب ولا یشارک سبحانک لا إله إلا أنت ما لعقل مولود وفهم مفقود مدحق من ظهر مریج
نبع من عین میشج بمحیض لحم وعلق ودرائی فضالة الحیض و علالة الطعم وشارکته الأسقام والتخفت علیه الا لام لا یقدر على فعل ولا یمتنع من علة ضعیف الترکیب والبنیة ما له والاقتحام على قدرتک والهجوم على ارادتک وتفتیش مالا یعلمه غیرک سبحانک أی عین تقوم نصب بهاء نورک وترقى إلى نور ضیاء قدرتک وأی فهم یفهم ما دون ذلک الا ابصار کشفت عنها الا غطیة وهتکت عنها الحجب العمیة فرقت أرواحها إلى أطراف أجنحة الأرواح فناجوک فی أرکانک وألحوا (ولجوا) بین أنوار بهاءک ونظروا من مرتقى التربة إلى مستوى کبریاءک فسماهم أهل الملکوت زوارا ودعاهم أهل الجبروت عمارا فسبحانک یا من لیس فی البحار قطرات ولا فی متون الأرض جنبات ولا فی رتاج الریاح حرکات ولا فی قلوب العباد خطرات ولا على متون السحاب نفحات الا وفى قدرتک متحیرات إما السماء فتخبر عن عجائبک و
إما الأرض فتدل على مدائحک واما الریاح فتنشر فوائدک واما السحاب فتهطل مواهبک وکل ذلک یتحدث بتحننک و یتخبر افهام العارفین بشفقتک وانا المقر بما أنزلت على السن أصفیاءک ان أبانا آدم عند اعتدال نفسه وفراغک من خلقه رفع وجهه فواجهه من عرشک وسم (رسم) فیه لا إله إلا الله محمد رسول الله فقال إلهی من المقرون باسمک فقلت محمد خیر من أخرجته من صلبک واصطفیته من بعدک من ولدک ولولاه ما خلقتک فسبحانک لک العلم النافذوا لقدر الغالب لم تزل الاباء تحمله والأصلاب تنقله کما أنزلته ساحة صلب جعلت له فیها صنعا یحث العقول على طاعته ویدعوها إلى متابعته حتى نقلته إلى هاشم خیر آبائه بعد إسماعیل فأی أب وجد ووالد أسرة ومجتمع عترة ومخرج طهر ومرجع فخر جعلت یا رب هاشما لقد أقمته لدن بیتک وجعلت له المشاعر والمتاجر
(المفاخر) ثم نقلته من هاشم إلى عبد المطلب فأذبحته سبیل إبراهیم وألهمته رشدا للتأویل وتفصیل الحق و وهبت له عبد الله وأبا طالب وحمزة وفدیته فی القربان بعبد الله کسمتک فی إبراهیم بإسماعیل ووسمت بابى طالب فی ولده کسمتک فی اسحق بتقدیسک علیهم وتقدیم الصفوة لهم فلقد بلغت إلهی ببنى أبى طالب الدرجة التی رفعت إلیها فضلهم فی الشرف الذی مددت به أعناقهم والذکر الذی حلیت به أسماءهم وجعلتهم معدن النور وجنته وصفوة الدین وذروته وفریضة الوحی وسنته ثم أذنت لعبد الله فی نبذه عند میقات تطهیر أرضک من کفار الأمم الذین نسوا عبادتک وجهلوا معرفتک واتخذوا أندادا وجحدوا ربوبیتک وانکروا وحدانیتک وجعلوا لک شرکاء وأولادا وصبوا إلى عبادة الأوثان وطاعة الشیطان فدعاک نبینا صلى الله علیه وآله بنصرته فنصرته بی وبجعفر وحمزة
فنحن الذین اخترتنا له وسمیتنا فی دینک لدعوتک أنصارا لنبیک قائدنا إلى الجنة خیرتک وشاهدنا أنت رب السماوات والأرضین جعلتنا ثلاثة ما نصب لنا عزیز الا أذللته بنا ولا ملک الا طححته أشداء على الکفار رحماء بینهم تراهم رکعا سجدا ووصفتنا یا ربنا بذلک وأنزلت فینا قرآنا جلیت به عن وجوهنا الظلم وأرهبت بصولتنا الأمم إذا جاهد فحمد رسولک عدوا لدینک تلوذ به أسرته وتحف به عترته کأنهم النجوم الزاهرة إذا توسطهم القمر المنیر لیلة تمه فصلواتک على محمد عبدک ونبیک وصفیک وخیرتک وآله الطاهرین أی منیعة لم تهدمها دعوته وأی فضیلة لم تنلها عترته جعلتهم خیر أمة أخرجت للناس یأمرون بالمعروف وینهون عن المنکر ویجاهدون فی سبیلک ویتواصلون بدینک طهرتهم بتحریم المیتة والدم و لحم الخنزیر وما أهل ونسک به لغیر الله تشهد لهم ملائکتک انهم
باعوک أنفسهم وابتذلوا من هیبتک أبدانهم شعثة رؤوسهم تربة وجوههم تکاد الأرض من طهارتهم تقبضهم إلیها و من فظلهم تمید بمن علیها ورفعت شأنهم بتحریم أنجاس المطاعم والمشارب من أنواع المسکر فأی شرف یا رب جعلته فی محمد وعترته فوالله لأقولن قولا لا یطیق ان یقوله أحد من خلقک انا علم الهدى وکهف التقى ومحل السخی وبحر الندى وطود النهى ومعدن العلم ونور فی ظلم الدجى وخیر من آمن واتقى وأکمل من تقمص وارتدى وأفضل من شهد النجوى بعد النبی المصطفى وما أزکى نفسی ولکن بنعمة ربى أحدث انا صاحب القبلتین وحامل الرایتین فهل یوازى فی أحد وانا أبو السبطین فهل یساوى بی بشر وانا زوج خیر النسوان فهل یفوقنی أحد وانا القمر الزاهر بالعلم الذی علمنی ربى والفرات الزاخر اشبهت من القمر نوره وبهائه ومن الفرات بذله وسخاءه أیها الناس بنا
أنار الله السبل وأقام المیل وعبد الله فی ارضه وتناهت إلیه معرفة خلقه وقدس الله جل وتعالى بابلاغنا الألسن وابتهلت بدعوتنا الأذهان فتوفى الله محمدا صلى الله علیه وآله سعیدا شهیدا هادیا مهدیا قائما بما استکفاه حافظا بما استرعاه تمم به الدین وأوضح به الیقین وأقرت العقول بدلالته وأبانت حجج أنبیائه واندمغ الباطل زاهقا ووضح العدل ناطقا وعطل مظان الشیطان وأوضح الحق والبرهان اللهم فاجعل فواضل صلواتک ونوامی برکاتک ورأفتک ورحمتک على محمد نبی الرحمة وعلى أهل بیته الطاهرین
قوله خلقه الظاهران الضمیر راجع إلى النبی صلى الله علیه وآله وقوله سبقت به السلالة لعل المراد ان السلالة انما سبقت خلقته لأجل ذلک النور ولیکون محلا له والمراد بالسلالة آدم علیه السلام لأنه تعالى خلقه من سلالة من طین ویحتمل التصحیف فی العبارة والجرم بالکسر الجسد بما أکننت أی بالذی سترته قوله قدرة ان لم یکن تصحیفا فهو حال عن ضمیر اجرامه ویرد أو یارد أو برد بالباء أو مارد أو أدد أو ایاد کما ورد کلها فی الاخبار وکتب الأنساب الخامس من الاباء وقوله أول من جعلت یدل على أن من بینه وبین آدم لم یکونوا رسلا ولا ینافی کونهم أنبیاء قوله ولم تؤمر الأوهام على بناء التفعیل بصیغة المجهول أی لم تجعل الأوهام أمیر أعلى أمر معرفته أو بالتخفیف بتضمین أو یکون على بمعنى الباء أی لم یأمر الله الأوهام بمعرفته وفى بعض النسخ لم یعثر أی لم یطلع کما فی موضع آخر من العثور بمعنى الاطلاع وخلقه خبر کل المفضیین أی قبل ذلک
النور متوشلح ومنه انتقل إلى لمک أو لامک ومنه إلى نوح علیه السلام وقوله على ذلک أی بسبب قبول النور وضمیر لم توله ولم تعطه مرجعهما نوح ومحظورا أی ممنوعا من أن ینتقل إلى من یقذف بسوء من أب متعلق بقوله تنقله ومدرکة اسم والد خزیمة وخزیمة والد کنانه معمدا مقصدا وزنا ومعنى ان له حرکة تقدیس أی صار النور بعد ذلک أظهر وتأثیر الکرامة للآباء لقربهم أکثر مدحق من دحقه کمنعه أی طرده وابعده کاطرده وأد حقه قوله مریج من مرج الشئ إذا خلط أی مخلوط ویقال خوط مریج أی متداخل فی الاعضان قوله مشیج أی مختلط من کل شئ وجمعه أمشاج قوله بمحیض فی المنقول عن المنقول منه بالحاء المهملة یتعلق بمحیض أی مختلط بالحیض ویحتمل ان یکون مخیضا بالمعجمة من قولهم محض اللبن إذا اخذ زبده والمخض هو الحرکة الشدیدة والفضالة بالضم البقیة والعلالة بالضم ما یتعلل به والحجب القیمة أی الکثیفة الحاجبة العماء السحاب الرقیق أجنحة الأرواح هو إما جمع الروح بمعنى الرحمة أو الراحة أو جمع الریح بمعنى الرحمة أو الغلبة والنصرة ویحتمل ان یکون الأرواح بالدال المهملة وهو جمع دوحة بمعنى الشجرة العظیمة والجنبات جمع جنبة بالتحریک وهو ناحیة الوادی قوله ولا فی رتاج الریاح من قولهم رتج البحر أی هاج وکثر مائه فغمر کل شئ ویحتمل ان یکون تصحیف رجاج البحر من الرج وهو التحریک والاهتزاز والرجة الاضطراب والهطل تتابع المطر وقائدنا صفة لنبیک ونصب لفلان أی عاداه وطحطح أی کسر وفرق وبدد اهلاکا منیعة أی نبیه رفیعة حصینة وابتذال الثوب امتهانه والسخاء ممدود ولعل قصره لرعایة السجع والندى الجود والمطر والبلل الطود الجلیل العظیم.