الجزء الثالث منه أیضا ص 94 من کتاب عیون الحکم والمواعظ لعلی بن محمد الواسطی کتبناه من أصل قدیم عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال احذروا هذه الدنیا الخدعة الغدارة التی قد تزینت بحیلها وفتنت بغرورها وغرت بآمالها وتشوقت لخطابها فأصبحت کالعروس المجلوة والعیون إلیها ناظرة والنفوس بها مشعوفة والقلوب إلیها تایقة وهی
لأزواجها کلهم قاتلة فلا الباقی بالماضی معتبر ولا الاخر بسوء اثرها على الأول مزدجر ولا اللبیب منها بالتجارب منتفع أبت القلوب لها الا حبا والنفوس بها الا صبا والناس لها طالبان طالب ظفر بها واغتر فیها ونسى التزود منها للظعن فقل فیها لبثه حتى خلت منها یده وزلت عنها قدمه وجاءته أسر ما کان بها منیته فعظمت ندامته وکثرت حسرته وجلت مصیبته فاجتمعت علیه سکرات الموت فغیر موصوف ما نزل به و اخر اختلج عنها قبل أن یظفر بحاجته ففارقها بعزته وأسفه ولم یدرک ما طلب منها ولم یظفر بما رجا فیها فارتحلا جمیعا من الدنیا بغیر زاد وقدما على غیر مهاد فاحذروا الدنیا الحذر کله وضعوا عنکم ثقل همومها لما تیقنتم لو شک زوالها وکونوا أسر ما تکونون فیها احذر ما تکونون لها فإن طالبها کلما اطمأن منها إلى سرور أشخصه عنها مکروه وکلما اغتبط
منها بإقبال تغصه عنها ادبار وکلما ثنت علیه منها رجلا طوت عنه کشحا فالسار فیها غار والنافع فیها ضار وصل رخاءها بالبلاء وجعل بقاءها إلى الفناء فرحها مشوب بالحزن واخر همومها إلى الوهن فانظر إلیها بعین الزاهد المفارق ولا تنظر إلیها بعین الصاحب الوامق اعلم یا هذا انها تشخص الوادع الساکن وتفجع المغتبط الامن لا یرجع منها ما تولى فادبر ولا یدری ما هوات فیحذر أمانیها کاذبة وامالها باطلة صفوها کدر و ابن آدم فیها على خطر إما نعمة زایلة واما بلیة نازلة واما معظمة جایحة واما منیة قاضیة فلقد کدرت علیه العیشة ان عقل وأخبرته نفسها ان وعى ولو کان خالقها جل وعز لم یخبر عنها خبرا ولم یضرب لها مثلا ولم یأمر بالزهد فیها والرغبة عنها لکانت وقایعها وفجایعها قد انبهت النائم ووعظت الظالم وبصرت العالم وکیف وقد جاء عنها من الله تعالى عنها زاجر
واتت منه فیها البینات والبصائر فمالها عند الله عز وجل قدر ولا وزن ولا خلق فیما بلغنا خلقا أبغض إلیه منها ولا نظر إلیها مذ خلقها ولقد عرضت على نبینا صلى الله علیه وآله بمفاتیحها وخزائنها لا ینقصه ذلک من حظه من الآخرة فأبى أن یقبلها لعلمه ان الله عز وجل أبغض شیئا فأبغضه وصغر شیئا فصغره وأن لا یرفع ما وضعه ا لله جل ثناءه وأن لا یکثر ما أقل الله عز وجل ولو لم یخبرک عن صغرها عند الله إلا أن الله عز وجل صغرها عن أن یجعل خیرها ثوابا للمطیعین وأن یجعل عقوبتها عقابا للعاصین ومما یدلک على دنائة الدنیا أن الله جل ثنائه زواها عن أولیائه وأحبائه نظرا واختیارا وبسطها لأعدائه فتنة واختبارا فأکرم عنها محمدا نبیه صلى الله علیه وآله حین عصب على بطنه من الجوع وحماها موسى نجیه المکلم وکانت ترى حضرة البقل من صفاق بطنه من الهزال وما
سئل الله عز وجل یوم آوى إلى الظل إلا طعاما یأکله لام جهده من الجوع ولقد جاءت ا لروایة أنه قال أوحى الله إلیه إذا رأیت الغنى مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته وإذا رأیت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحین وصاحب الروح والکلمة عیسى بن مریم علیه السلام إذ قال أدامی الجوع وشعاری الخوف ولباسی الصوف ودابتی رجلای وسراجی باللیل القمر وصلای فی الشتاء مشارق الشمس وفاکهتی ما أنبتت الأرض للانعام أبیت ولیس لی شئ ولیس أحدا أغنى منی وسلیمان بن داود وما أوتی من الملک إذ کان یأکل خبز الشعیر ویطعم أمه الحنطة وإذا جنه اللیل لبس المسوح وغل یده إلى عنقه وبات باکیا حتى یصبح ویکثر أن یقول رب إنی ظلمت نفسی فإن لم تغفر لی وترحمنی لأکونن من الخاسرین لا إله إلا أنت سبحانک إنی کنت من الظالمین فهؤلاء أنبیاء الله و أصفیاءه تنزهوا عن الدنیا وزهدوا فیما زهدهم الله جل ثناءه
فیه منها وابغضوا ما أبغض وصغروا ما صغر ثم اقتص الصالحون آثارهم وسلکوا منهاجهم والطفوا الفکر وانتفعوا بالعبر وصبروا فی هذا العمر القصیر من متاع الغرور الذی یعود إلى الفناء ویصیر إلى الحساب نظروا بعقولهم إلى آخر الدنیا ولم ینظروا إلى أولها وإلى باطن الدنیا ولم ینظروا إلى ظاهرها وفکروا فی مرارة عاقبتها فلم یستمرهم حلاوة عاجلها ثم الزموا أنفسهم الصبر وأنزلوا الدنیا من أنفسهم کالمیتة التی لا یحل لاحد أن یشبع منها الا فی حال الضرورة إ لیها وأکلوا منها بقدر ما أبقى لهم النفس وامسک الروح وجعلوها بمنزلة الجیفة التی اشتد نتنها فکل من مر بها أمسک على فیه فهم یتبلغون بأدنى البلاع ولا ینتهون إلى الشبع من النتن ویتعجبون من الممتلى منها شبعا والراضی بها نصیبا اخوانی والله لهى فی العاجلة والاجلة لمن ناصح نفسه فی النظر وأخلص لها الفکر أنتن من الجیفة وأکره من المیتة غیر أن الذی نشأ فی دباغ الإهاب لا یجد نتنه
ولا تؤذیه رائحته ما تؤذی المار به والجالس عنده وقد یکفی العاقل من معرفتها علمه بأن من مات وخلف سلطانا عظیما سره أن عاش فیها سوقة خاملا أو کان فیها معافا سلیما سره أنه کان فیها مبتلى ضریرا فکفى بهذا على عودتها والرغبة عنها ذلیلا والله لو أن الدنیا کانت من أراد منها شیئا وجده حیث تنال یده من غیر طلب ولا تعب ولا مؤنة ولا نصب ولا ظعن ولا داب غیر أن ما أخذ منها من شئ لزمه حق الله فیه والشکر علیه وکان مسؤولا عنه محاسبا به لکان یحق على العاقل أن لا یتناول منها الا قوته وبلغة یومه حذر السؤال وخوفا من الحساب واشفاقا من العجز عن الشکر فکیف بمن تجشم فی طلبها من خضوع رقبته ووضع خده وفرط عنائه والاغتراب عن أحبائه وعظیم اخطاره ثم لا یدری ما اخر ذلک الظفر أم الخیبة انما الدنیا ثلاثة أیام یوم مضى بما فیه فلیس بعابد ویوم أنت فیه فحق علیک اغتنامه ویوم لا تدری أنت من أهله ولعلک
راحل فیه إما لیوم الماضی فحکیم مؤدب واما الیوم الذی أنت فیه فصدیق مودع واما غد فإنما فی یدیک منه الأمل فإن یکن أمس سبقک بنفسه فقد أبقى فی یدیک حکمته وان یکن یومک هذا انسک بمقدمه علیک فقد کان طویل الغیبة عنک وهو سریع الرحلة فتزود منه وأحسن وداعه خذ بالثقة من العمل و إیاک والاغترار بالامل ولا تدخل علیک الیوم هم غد یکفی الیوم همه وغد داخل علیک بشغله إنک ان حملت على الیوم هم غد زدت فی حزنک وتعبک وتکلفت أن تجمع فی یومک ما یکفیک أیاما فعظم ا لحزن وزاد الشغل واشتد التعب وضعف العمل للأمل ولو أخلیت قلبک من الأمل لجدوت فی العمل والأمل الممثل فی الیوم غدا ضرک فی وجهین سوفت به العمل وزدت به فی الهم والحزن أو لا ترى أن الدنیا ساعة بین ساعتین ساعة مضت وساعة بقیت وساعة أنت فیها فاما الماضیة والباقیة
فلست تجد لرخائهما لذة ولا لشدتهما ألما فأنزل الساعة الماضیة والساعة التی أنت فیها منزلة الضیفین نزلا بک فطعن الراحل عنک بذمه إیاک وحل النازل بک بالتجربة لک فاحسانک إلى الثاوی یمحوا ساءتک إلى الماضی فأدرک ما أضعت به عتابک مما استقبلت واحذر ان تجمع علیک بشهادتهما فیوبقاک ولو أن مقبورا من الأموات قیل له هذه الدنیا أولها إلى آخرها تخلفها لولدک الذی لم یکن لک هم غیرهم أو یوم ترده إلیک فتعمل فیه لنفسک لاختار یوما تستعتبت فیه من سئ ما أسلف على جمیع الدنیا به یورثها ولدا خلفه فما یمنعک أیها المغتر المضطر المسوف أن تعمل على مهل قبل حلول الأجل وما یجعل المقبور أشد تعظیما لما فی یدیک منک الا تسعى فی تحریر رقبتک وفکاک رقک ووقاء نفسک من النار التی علیها ملائکة غلاظ شداد